أخوة الإيمان هي القاعدة المتينة التي يقوم عليها المجتمع المسلم، وذلك من خلال قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) فالمجتمع الإسلامي لا يقوم على أساس عنصري أو على أي أساس آخر غير مبدأ الإسلام. إن الإسلام هو الذي يجمع الناس, وأخوة العقيدة هي الأخوة التي يعترف بها الدين , والتي تتعلق بمصير الإنسان بين يدي ربه , ولذلك كان نداء القرآن (يا أيها الذين امنوا).
والأخوة الإيمانية لها مقتضيات, ومن مقتضياتها أن تقوم العلاقات بين المسلمين في مجتمعهم على العفو والتسامح و التجاوز, ولا تقوم على التشدد والمغالاة وعلى الاستقصاء في نيل الحقوق, ولا تقوم كذلك على الشح الذي أصبح متبعاً في أكثر من ناحية من نواحي المجتمع حيث أصبح الشح مطاعاً, والهوى متبعاً.
وللخروج من هذا الأمر لا بد أن يعفو بعضنا عن بعض, وأن يسامح بعضنا بعضاً , وان يقبل بعضنا عثرة بعض, والعرب تقول :' ما استقصى كريم قط ' , معنى ذلك أن الإنسان الكريم، عفوٌ بطبعه لا يستقصي في حقه إلى النهايات التي يتخيلها , وإنما يعفو ويسامح... يعفو القوي عن الضعيف, يعفو الغني عن الفقير ويعفو الدائن عن المدين ويعفو صاحب الحق عمن لزمه الحق , لان العفو هو مقتضى أخوة الإيمان, هو الأساس في التعامل.
ان العفو والتسامح هو الأساس في التعامل في المجتمع الإسلامي, وأعظم ما يكون العفو, عندما يكون عن مقدرة, وعندما يثبت حقك على فلان ثم تسقط هذا الحق, فهذه درجة من الإيمان عالية, فسل نفسك يا أخي: هل ثبت لك حق فأسقطته؟ هل عفوت عن مال؟ عن دم؟ هل سامحت ؟ هل غضضت الطرف عن غفوة ؟ وعندما تكلم القران عن ما وعده الله تعالى للمتقين , من جنات عرضها السماوات والأرض , ذكر العافين عن الناس, فقال (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ , الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
و جاء في الحديث عن النبي (ص)أنه قال:' إذا كان يوم القيامة , نادى مناد من قبل الله , أين العافون عن الناس ؟ (من عفا عن الهفوات ,من أقال العثرات , من تجاوز عن حقه بعد أن ثبت له , من سامح أخاه ) أين العافون عن الناس، هلموا إلى ربكم فخذوا أجوركم , فحق لكل امرئ مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة ' .
هكذا يرغبنا القرآن وترغبنا سنة النبي (ص) في العفو والتسامح في الدماء, في حوادث السيارات , في قضايا المال, لان الحرص والتشدد والاستقصاء هو شح نفسي ينبذه الإسلام, فكن هيناً على أخيك (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً ,إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً) وتأمل هذا التعقيب؟ (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً) كما تحب أن يعفو الله عنك , فاعف أنت , وليكن لك حظ من اسم الله (العفو).. اعف يا أخي يعفو الله عنك!! وقال النبي صلى الله عليه وسلم :' ما زاد الله بعبد إذا عفا إلا عزاً ' فإياك أن تحس أن العفو فيه هضم لكرامتك، أو فيه تقليل من قيمتك بل سيزيد الله ببركة العفو قدرك ومكانتك.
خذ مثلاً دوائر تحدث الله عنها, وعن فضيلة العفو وعن خلق العفو فيها, وذلك في قول الله تعالى (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) إن كان المدين معسراً هذا مجال كبير لك لكي تطرق بعفوك عن أخيك المعسر باب الجنة, وهل هناك جزاء أعظم من الجنة؟ ماذا ستفعل في هذا المال في هذه الحياة الدنيا ؟ إن المال كما قال حاتم الطائي غاد ورائح, لكن الشيء المهم هي قضية المصير عند الله، هل إلى جنة أم إلى غير ذلك؟. ويقول النبي (ص) وهو يرغبنا في التفريج عن كروب الناس وفي تيسير حياة المعسرين ' كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسراً فتجاوز عنه, لعل الله يتجاوز عنا, فلقي الله، فتجاوز الله عنه' .. حقاً إن الجزاء من جنس العمل.
وفيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحة قال(ص) ' من أنظر معسراً ( أي زاد في مهلته ومدته) أو وضع عنه (أي تجاوز عنه و سامحه) أظله الله في ظله يوم القيامة'. والشح رذيلة نفسية, والعفو فضيلة تنشئ العلاقات المتينة بين أفراد المجتمع الواحد، يقول الله تعالى ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).
الإسلام يعطيك الحق إن أسيء إليك بغير حق، أن ترد الإساءة بالإساءة, لكنه يلوح إليك بمقام أعلى, يلوح إليك بدرجة أسمى ... والدرجة هي أن أجرك سيكون على الله تقدست أسماؤه (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ).. حسناً خذ حقك في الدنيا فتسيء لمن أساء إليك ، ولكن انتبه: لن يكون لك حظ عند الله تعالى يوم القيامة !! ويقول النبي(ص) ' إذا كان يوم القيامة, نادى منادٍ ألا فليقم من كان أجره على الله... فلا يقوم إلا من عفا'
ومن الدوائر التي يجب العفو فيها القضايا التي تحدث بين العائلات, فيما يتعلق بالمهور وبحقوق النساء, يقول الله تعالى عن النساء ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً (إذا طلقت المرأة قبل الدخول فلها نصف المهر ) فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أن تعفو المرأة عن نصيبها فيأخذ الزوج المهر كله, أو أن يعفو الزوج فتأخذ المرأة المهر كله, أي أن تأخذ نصيبها ونصيبه أيضا, وهنا لاحظ يا أخي كيف يتحدث القرآن وكيف يتحدث الحريصون و البخلاء الأشحاء أسرى منطق الكزازة!! ( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) إن الفضل هو الإحسان والتواضع، وبعد ذلك تصر على أن تأخذ حقك كاملا من أخيك سواء أكان قادراً أو غير ذلك .
وأخرج الإمام ابن كثير في تفسيره وهو يعقب على هذه الآية، حديثاً للنبي (ص) يقول فيه: ليأتين على الناس زمان عضوض ( أي شديد) يعض فيه المؤمن على ما في يديه (أي يروج البخل والشح وعدم التسامح) ليأتين على الناس زمان عضوض يعض فيه المؤمن على ما في يديه وينسى الفضل، وقد قال الله تعالى (ولا تنسوا الفضل بينكم ) شرارٌ يبايعون كل مضطر، فان سمعوا عن مضطر محتاج يريد بيع بيته هرعوا إليه - وقد نهى رسول الله عن بيع المضطر- فان كان عندك خيرٌ، فعد به على أخيك ولا تزده هلاكاً إلى هلاكه, فان المسلم أخو المسلم لا يحزنه ولا يحرمه '.
عندما تستغل حاجة هذا المضطر فتشتري حاجته بثمن أقل من الثمن الحقيقي فتزيده هلاكاً إلى هلاكه, فهذا حرام، ولذلك يوصي النبي (ص) قائلاً: فان كان عندك خير فعد به على أخيك فان المسلم اخو المسلم لا يحزنه ولا يحرمه......فلا تكن يا أخي سبباً في إدخال الحزن إلى قلب أخيك وكن سببا في إدخال السرور .
ومن دوائر العفو المهمة نجدها فيما ذكره القرآن وهو يخاطب النبي(ص) قائلاً (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) هذه الدائرة تحدثنا عن ضرورة عفو القائد بالنسبة للمحكومين, وأن يعفو الغني عن الفقير, أن يعفو القوي عن الضعيف, أن يعفو الدائن عن المدين, أن يعفو الحاكم عن المحكوم, والنبي (ص) يقول : ' اللهم من ولي من أمور أمتي شيئا فرفق بهم فأرفق به , ومن ولي من أمور أمتي شيئا فشق عليهم فأشقق عليه'
فلنعزز قيم العفو والرحمة في مجتمعنا، حتى ننال عفو الله ورحمته
للموضوع بقية
» معلومات مفيدة
» بحث التسمم الغذائي
» دورة الانجاز الاستراتيجى للمحاضر العالمى رشاد فقيها
» حمل اجدد التطبيقات مجانا من شركة تواصل الاولى فى الوطن العربى
» Tawasol it Company the most important company programming mobile applications
» رفاده افضل شركات تنظيم رحلات وحملات الحج فى السعودية
» مشكلتى مع تكيفى وحلها
» احصل على افضل الخدمات مع شركة الاناقة
» شركة الاناقة الانشائية للمقاولات فرع المكيفات المركزى